يحكى أن رجلا كان يتمشى في أدغال أفريقيا، وكان مستمتعاً بالطبيعة الخلابة والأشجار الكثيفة، وأصوات الطيور، والروائح الذكية، وبينما هو في ذلك إذ سمع صوت هادر من خلفه، والتفت في ذعر فإذا به برى أسداً ضخم الجثة وهو منطلق نحوه في سرعة مخيفة
انطلق الرجل يجرى وهو من الخوف في نهاية، وفجأة وجد بئراً قديمة، فقفز في البئر بلا تفكير، وأمسك في حبل البئر (!)
أخذ الرجل يتمرجح داخل البئر وهو ممسكاً بالحبل، والأسد يزأر على قمة البئر، وبرغم ذلك فقد هدأت نفسه قليلاً، وقد ابتعد بمعجزة عن الخطر المحقق
وفجأة –وبينما هو يلتق أنفاسه- إذا به يسمع صوتاً غريبا أسفل منه
نظر الرجل في ترقب فرأى ثعباناً عملاقاً فاغرا فاه في أسفل البئر
اخذ الرجل ينظر إلى أعلى والى أسفل في خوف وهلع وقد أيقن بالهلاك
وبينما هو في ذلك إذ رأى فارين أحدهما أبيض والآخر أسود يقرضان الحبل الذي يتعلق به
أخذ الرجل يحرك الحبل في يأس حتى يتخلص من الفأرين، وأخذ وهو كذلك يصطدم جسده في جدران البئر
بينما هو يتمرجح اصطدم مرفقه بشيء رطب لزج، ونظر إليه فوجد عسل نحل، حيث بنى النحل عشاً له داخل البئر
تذوق الرجل من العسل، وأعجبه طعمه، فأخذ لعقة أخرى وأخذ في شرب العسل
ومن شدة حلاوة العسل نسي الرجل الأسد الذي يزأر فوقه، ونسى الفأران اللذان يقرضان الحبل حتى يكاد ينقطع، والثعبان المنتظر أسفل منه
نسى الرجل كل شيء وانشغل فقط بالعسل ومذاقه الحلو
وفجأة استيقظ الرجل من نومه فقد كان كابوساً مزعجاً
* * *
قرر الرجل أن يذهب إلى عالم يفسر له هذا الحلم
ابتسم العالم وقال له:
الأسد الذي يجرى ورائك هو ملك الموت
والبئر الذي فيه الثعبان هو القبر
والحبل الذي تعلقت به هو عمرك
أما الفئران الأسود والأبيض فهما الليل والنهار يأخذون من عمرك (!)
قال الرجل في عجب: والعسل يا شيخ ؟!
ابتسم العالم مرة أخرى وقال: هي الدنيا، من حلاوتها أنستك أن ورائك موت وقبر وحساب (!)